روايات شيقهرواية احتيال و غرام

رواية احتيال و غرام للكاتبة رحمة سيد الفصل الرابع

كاد يكمل، كاد يرميها في نفس الجحيم الذي ألقت به مريم ولا يدري ما ماهية الشيء الذي صدح صوته من بين زخات قلبه ليمنعه مغطيًا على صوت شيطانه الذي يخبره أن يفعل..!

بينما تلك السيدة تركزت كافة حواسها في ترقب للحروف التي ستخرج من بين شفتا بدر وهي تسأله بسرعة:
-شوفتها فين؟
زفر أنفاسه على مهل وهو يمسك جبهته وكأنه يتذكر ثم قال مستدركًا:
-تقريبًا عدت من هنا وكانت بتجري بس مش قادر أتذكر راحت يمين ولا شمال
تأففت السيدة بضيق وهي تتلفت يمينًا ويسارًا، ليسألها بدر بفتور:
-ليه هي سرقت من حضرتك حاجة ولا إيه؟
فأومأت الاخرى بتأكيد زائف:.

-ايوه سرقت مني شنطتي وفيها حاجات مهمة ليا اوي
فهز بدر رأسه وراح يخبرها بنبرة ماكرة:
-لو كده متقلقيش أكيد هتتمسك لأني لسه شايف الأمن طالع باين حد بلغه إن في خناقة
شحبت ملامح تلك السيدة والخوف يتخذ مساحته من قسماتها السمراء قبل أن تهز رأسها موافقة لبدر مرددة بتوتر حاولت إخفاؤوه:
-تمام شكرا يا استاذ
ثم استدارت لتغادر بسرعة قبل أن يفتك بها رجال الأمن وتُسلم للشرطة بعدها…!

بينما بدر كان مثبتًا عيناه عليها حتى إختفت عن أنظاره حينها استدار ليفتح ذلك الباب ثم دلف ليجد أيسل مكتومة الأنفاس تطالعه بنظرات مُغلقة مُبهمة، وكأن كل مشاعرها تشابكت خيوطها كخيوط عنكبوت لا تدري أولها من اخرها…!
للحظات أحست كرهه لها، ذلك الكره تجسد في نبرته وهو يخبرهم أنه رآها، ثم غاص ذلك الكره في الأعماق مرة اخرى لتعود إنسانيته وتحلق بين حروفه التي نجدتها من بين براثنهم…!

ظلت تنظر له لثوانٍ ثم نطقت بصوت مبحوح:
-شكرًا
بملامح جامدة ونظرات ثابتة قاسية كحروفه الجافة أخبرها:
-مفيش داعي للشكر لإني معملتش كده عشانك، أنا عملت اللي إنسانيتي خلتني أعمله، لكن انتي ماتهمنيش
لا يدري هل يقنعها ام يقنع نفسه بذلك الكلام، ولكنه لن ينسى لحظة، تلك النبضة التي فرت هاربة من حصار الذكريات والكلمات المغموسة بذرات الكره…!

تلك النبضة التي أطلق بعدها جنود الكره والحقد ليظهروا في كافة أفعاله، قاتلين تلك النبضة الهادرة في مهدها…
فسخرت أيسل لاوية شفتاها:
-كويس إن في حاجة مشتركة بينا، انا ماهمكش وانت ماتهمنيش!
ثم استدارت تعطيه ظهرها لتغادر، فلمح بدر التيشرت الذي ترتديه وقد اُزيح لأسفل عن كتفها نوعًا ما، وقطرات العرق جعلت خصلاتها الحمراء تلتصق بجلدها الذي ظهر…

كان خلفها مباشرةً، تسمع هدير أنفاسه بوضوح يخالط نبرته الرجولية الخشنة وهو يهمس لها:
-استني
ولم تعد يداه قيد طوعه حينما رفع أصابعه دون شعور ليُزيح ببطء شديد تلك الخصلات الملتصقة بسدها، وحينها لمس إصبعه الخشن جسدها الناعم فانتفضت هي وقد أفلتت تلك الشهقة المكتومة من بين شفتاها مغمضة عيناها بقوة وقد عَلى تنفسها بتوتر ملحوظ، بينما بدر شعر أن يداه تخالف كل ذرة تعقل لديه فتتوق لملمس جسدها…

للحظات فقط أحس أن مضجع عواطفه إحترق بتلك الجمرة التي اُلقيت فيه دون مقدمات..!
فهمست هي بصوت خفيض أتاه كصدى صوت لعقله الذي خدره حلاوة ذلك الشعور:
-بدر، أنت بتعمل إيه!
فخالف رغبة يده المُلحة وهو يرفع ذلك التيشرت ليعدله ثم يبعدها عنها قسرًا مغمغمًا بصوت حاد مثخن بالعاطفة:
-كتفك كله كان باين وقولتلك شعرك تلميه لما تكوني برا البيت!
-انا، انا كنت عامله، كنت لماه.

رددت بصوت يكاد يُسمع وذلك الشعور يُزلزل حروفها المبعثرة كحالها، فيما زفر هو بقوة يحاول قمع عاطفة لا يدري من أين تحركت لتداعب المدفون داخله، وقال بحدة أجشة:
-اطلعي، اطلعي يا أيسل يلا!
اومأت هي برأسها بسرعة لن تجادله، كانت تود الخروج بأي طريقة، لن تحتمل البقاء معه بمفردها في ذلك المكان الصغير جدًا وهو شبه ملتصق بها بهذه الطريقة!..

فتحت الباب ثم خرجت بسرعة، يتبعها بدر الذي بدأ يلتقط أنفاسه بصوت مسموع، يحاول سحب نفسه من بين زوبعة ذلك الشعور، مستمرًا في محاربة المجهول…

كانت ليال تجالس ابنة عم يونس ورد في الأسفل، تحاول كسر الملل الذي اصبح جزءًا لا يتجزء من حياتها…
ثم توجهت صاعدة لغرفتهم، فتحت الباب ثم دلفت لتجد يونس جالسًا على الأريكة مندمجًا بين أوراق عمله الذي اهمله في الفترة الاخيرة، فألقت ليال نظرة عليه وتنهدت وهي تدخل للغرفة متعمدة اصدار صوت لتلفت نظره ولكنه لم يبدي اي رد فعل…

جلست جواره ولكنه ايضا لم يلتفت لها حتى، اقتربت منه شيئًا فشيء وحين وجدته لا يعطيها أي اهتمام، اقتربت برأسها جدًا من اوراقه لترى ما يجذب كافة إنتباهه لهذه الدرجة..
فتحركت عيناه بصمت يتابع تفحصها الطفولي ولم يتفوه ببنت شفه، حتى رفعت رأسها لتسأله بفضول:
-أنت بتعمل إيه؟
فأجاب بجمود وهو يعاود النظر لأوراقه مرة اخرى:
-ملكيش فيه، وبطلي فضولك ده!
فاقتربت منه اكثر وهي تسأله بإصرار وبراءة:.

-ليه، ابطل فضول ليه، هه يا يونس ليه؟
كز يونس على أسنانه بغيظ، يحاول ألا يحتك بها قدر الإمكان ولكنها كالعادة تبحث عن اي ثغره لتتقرب منه…!
عاد ينظر لأوراقه مرة اخرى ولم يجيبها، فنظرت هي لملامحه الرجولية عن قرب ولأول مرة، تلك الملامح السمراء بأنف رفيع مرفوع وحاجب أسود مرسوم يتناسب مع سواد عيناه التي تنتشلها في كل مرة ينظر لها فيها لتلقيها في وادٍ جديد مهلك من الشوووق..!

وشفتاه الغليظة التي لم تنطق أسمها بنبرة حانية كما تمنت بل دوما تخرج ما يترك داخلها لها جرحًا جديدًا…
ودون شعور اقتربت فجأة لتضع شفتاها الصغيرة على شفتاه في قبلة متهورة مجنونة، ليتصنم هو للحظات بينما هي مغلقة العينين تشعر أن جسدها احترق بشعور جديد لم تختبره قط، أن نبضاتها تعالت حتى صمت اذنها عن اي شيء حولها…

بينما هو متخبطًا في تلك اللحظات وحركة شفتاها البطيئة البريئة الغير خبيرة على شفتاه تجعل مشاعره الذكورية الساكنة داخله تهتاج لتزأر معلنة وجودها…!
تحركت يداه رغم ارادته ليحيط خصرها بقوة، يجاهد تلك الرغبة القوية لشفتاه في الاستجابة لحركة شفتاها، نجح في اختزال ذاك التأثر الذي مقته بشدة ليرمه في أبعد نقطة داخله..
ثم أبعدها فجأة ويداه تضغط على خصرها بعنف بينما يهدر فيها بقسوة:.

-انتي بتعملي إيه، انتي اتجننتي؟
أسبلت جفناها ولم تدري ماذا تجيب، بل لم تجد صوتًا لتخرجه اصلاً…
ولكنها رأت غضبه الأهوج يحتل ام عيناه، فابتلعت ريقها مجيبة بمكر انثوي:
-مالك يا يونس، انا زي مراتك على فكره!

فأمسك يونس فمها لتغطي يده الخشنة شفتاها وهو يضغط عليها بقسوة متابعًا بنبرة غليظة حادة:
-أنا مش عارف إيه اللي بقوله ده، بس إياكي بوقك ده يجي جمب بوقي تاني انتي فاهمة!
فدفعت يده بعيدًا عنها ولم تمنع ضحكاتها العالية من الخروج، لقد إنقلب الوضع تمامًا وأصبح هو من يطالبها بالابتعاد عنه وهي التي تقنعه أنها زوجته، يالسخرية القدر!

نهض يونس عن الأريكة غارزًا يده بين جذور خصلاته السوداء بعنف، لا يصدق جرأتها التي لم يتوقعها قط…!
ثم اخذ يضرب كفًا على كف، بينما هي تضع قدم فوق الاخرى وهي ترسم ابتسامة واسعة وتردد بنفس المكر وداخلها سعادة لا تصدق بسبب تأثيرها كأنثى عليه:
-أنت خايف مني ولا إيه!
إتسعت حدقتاه بذهول، ولم يجد ما ينطق به!

فدلف للمرحاض صافعا الباب خلفه لتضحك هي بصوت عالي، إن كانت جرأتها تحرك أي شعور داخله، فلن تتعامل معه سوى بتلك الجرأة بعد الان!..

بينما داخل المرحاض كان يونس يحدق بصورته المعكوسة في المرآة، وداخله يغلي غضبا يود لو يمحي الدقائق السابقة من حياته، كارها ذاك الشعور الذي حركته تلك اللعينة داخله!
فضرب المرآة امامه بجنون من فرط إنفعاله لتشهق ليال بقلق حينما سمعت صوت تهشيمها، ثم نهضت بسرعة لتضع اذنها على الباب في نفس اللحظات التي رن بها هاتف يونس فأخرجه ليجيب بصوت أجش ولم يرى اسم المتصل:
-ايوه؟

أتاه صوت معشوقته التي تركته خلفها مجرد رماد احترق بنيران الفراق:
-يونس عايزه اشوفك انهارده!
لم يصدق اذناه، فردد ذاهلا:
-فيروز! وحشتيني اوي، هاجيلك حالا
كزت ليال على أسنانها بعنف، تلك الفيروزه تثير داخلها نمرة على أتم الاستعداد لغرز مخالبها في مَن يقترب من زوجها، زوجها هي!

خرج يونس من المرحاض ليتجاهل وجودها متجها نحو باب الغرفة…
وقفت أمام باب الغرفة تغلقه بجسدها لتمنع يونس من الخروج، ثم بدأت تهز رأسها نافية والشراسة تتملق حروفها:
-مش هاخليك تروحلها واحنا ماكملناش ٣ اسابيع متجوزين! مش من حقك تعمل كده أنا بقيت مراتك.
شعر بكل خلية به تهتاج رافضة ما يسمعه منها، والنفور كان يستوطن قسمات وجهه الرجولية السمراء وهو يخبرها بنبرة قاسية مزدردة:.

-وأنا مش بعتبرك مراتي اصلًا، إنتي مجرد عالة ودخيلة في حياتي!
وكالعادة تستقبل سم كلماته الضاري بين ثناياه، تُخفي تلك الجروح في جبعتها بصبر..
جذبها يونس من ذراعها بعنف يبعدها عن الباب لتركض هي مرة اخرى تقف امام الباب، تستفز هدوئه دون أن تشعر وهي تقول:
-أنت لازم تقبل بالأمر الواقع زي منا عملت، لازم تتأقلم على إني بقيت مراتك.

تعاود إشعال جنون شياطينه الذي يخمده بصعوبة، كل خلاياه لا تتقبل ذلك الأمر، لا يستطع، لا يستطع أن يراها ولا يشعر برغبة مستعرة في قتلها!..
أمسكها من ذراعاها بعنف حتى تأوهت بألم ليزيد من ضغطة يده أكثر وعيناه تتوهج بلمعة غريبة وكأن ألمها هو الشيء الوحيد الذي يخفف من وقع ألمه…!
ثم دفع جسدها نحو الحائط بعنف متعمد وهو يستطرد بخشونة قاسية تعمد جعل حروفه أنياب تنهش كرامتها:.

-مش هقبل، أنا بكرهك ومابتمناش في حياتي إلا إنك تتألمي زي منا بتألم وأكتر، انا مش عايزك، وهفضل اشوفها واروحلها وهخونك وهذلك لو لسه عندك ذرة كرامة اخرجي من حياتي
إرتجف جسدها كله وكلماته تدوي كقنبلة تفجرت داخلها لتمزق ثناياها لأشلاء، ليتها تستطع، فقط لو تستطع لفعلت منذ زمن، ولكنها اُصيبت بـ لعنة، لعنة تنتهك روحها لترديها قتيلتها في النهاية..!
فصرخت وكأن أنين كرامتها تشكل في حروفها وهي تزمجر:.

-ياريتني أعرف، ياريتني اعرف اعمل كده!
اومأ برأسه وهو يغمغم بحقد متوعدًا إياها:
-متقلقيش أنا هخليكي مش طايقة حتى تقعدي في حتة انا بتنفس فيها، هخليكي تقولي حقي برقبتي وهعرف مين اللي زقك عليا
تنفست بصوت مسموع وهي تخبره للمرة التي لا تذكر عددها:
-للمرة المليون محدش زقني عليك، أنت بس اللي مش فاكر اللي حصل
إلتوت شفتاه بتهكم شيطاني وهو يردف:
-لأ فاكر، حظك الأسود إني فاكر!

هبطت عيناه لتلك العباءة المطرزة التي ترتديها والتي اهدتها اياها خالته، فدون مقدمات أمسك بمقدمتها ليمزقها بعنف فشهقت هي بهلع وهي تدفعه بعيدًا عنها لتغطي ما ظهر من جسدها، ليرمقها هو بنظرة قاتلة قبل أن يهتف بنبرة حادة كطرف السكين:
-الهدوم اللي أهلي جابوها لو شوفتك حطاها على جسمك هطين عيشتك، تفضلي تلبسي هدومك المعفنه اللي تليق بيكي لكن اي هدية ماتستحقهاش واحدة زيك.

-بطل الأسلوب الهمجي ده أنت مش بتعامل حيوانة!
زمجرت بجنون وهي تنظر له بحدة تتنفس بصوت عالي، فاقترب هو منها ببطء ليجذبها فجأة من رقبتها ممسكًا خصلاتها التي اصبحت قصيرة وهو يخبرها بتهديد مبطن:
-في ايدك تخلصي نفسك من كل ده وتقوليلي مين زقك عليا وليه عملتي كده وانا هاطلقك وهاسيبك، لكن طول ما انتي بتقاوحي قسمًا بالله لأقصلك لسانك مش شعرك بس!

لم ترضخ شراسة عيناها لعنف كلماته، فابتلعت ريقها بتوتر لحظي قبل أن تستكمل في هدوء وخز غضبه الأسود:
-انا قولتلك اللي حصل، أنت اللي مش عايز تصدق
حينها دفعها ارضًا بقوة وثوران غضبه يعود من جديد ليصيح فيها بجنون:
-يبقى تستاهلي اللي هعمله فيكي، وكل ما أروحلها وترفض تسمعني هاجي وهافضل اهينك وأقهرك!

انتهى من كلماته ثم استدار ليغادر الغرفة, بينما هي تتنفس بإنهاك، تعرف أنها في بداية مهمتها القاسية ولن تستسلم مهما فعل…!

وقف يونس على أعتاب المنزل الكبير الذي تقطن به فيروز يعبئ صدره بالهواء ليُحيي رماد قلبه الذي احترق بنار الفراق…!
دلف للقصر وكانت اول مَن رآها حينما دخل هي والدة فيروز التي قابلته بملامح جامدة تخبره عن غضب ونفور لم يتخطى حدود لسانها…
فاقترب منها يونس مغمغمًا بصوت أجش:
-ازي حضرتك؟
فراحت تلك الابتسامة الساخرة تتعلق بأطراف شفتاها وهي تردد مستنكرة:.

-بجد!؟ ازي حضرتي؟ كويسة جدا يا يونس، كويسة جدا جدا بعد اللي عملته في بنتي
فهتف يونس بهدوء محاولاً جذب أي طرف من خيوط الماضي التي لطالما جمعت بينهم علها تساعده في إقناعها:
-أنتي تعرفي عني كده؟ أنتوا عرفتوا يونس لوقت طويل، تعرفي إنه ممكن يخون؟!
فهزت كتفاها معًا وهي تنفي برأسها والرفض يزحف لعيناها من جديد:.

-أنا طلعت معرفش يونس أصلًا، أنت كنت راسملنا شخصية وطلعت شخصية عكسها تماما ملهاش لا أخلاق ولا مبادئ واحترام!
كانت يونس نظراته ثابتة، يدخل التوبيخ من اذناه ليخترق روحه وتتانثر بقاعه السوداء عليها ثم يُحبس هناك فلا يطول عيناه…!
بينما هي تتابع بلوم قاسي:.

-من بداية علاقتكم وانا قولت إنكم مش مناسبين لبعض، بس محدش سمع كلامي وصممتوا، ولما لاقيت فيروز مصممة قولت خلاص يمكن سعادتها معاه! وكنت بدأت اصدق انك حد كويس جدا، لكن صدمتنا كلنا باللي عملته
نطق يونس اخيرًا بصوت خمدت به كل مشاعره:
-انا معملتش كده، أنا مستحيل اعمل كده في فيروز
هزت الاخرى رأسها نافية بأسف:.

-المستحيل إن كل اللي كانوا موجودين في اليوم اياه يبقوا كدابين وأنت تبقى صادق، المستحيل إن تقول صاحبك كان موجود ساعتها وكلنا عارفين إنه مسافر من بدري
فتعالت أنفاسه بغضب وهو يردف بصوت عالي محاولا وضع تلك الجملة نصب عيناهم التي اغشتها تلك الليلة:
-معرفش، بس اللي اعرفه ومتأكد منه إني معملتش كده
فأكملت هي بتهكم مرير:.

-الظاهر إنك تقلت في الشرب ساعتها يا يونس لدرجة إنك مبقتش قادر تميز أنت فعلا عملت كده ولا لأ!

هذه المرة رمحها أصاب شيء داخله، ربما هو كذلك، هو لا يذكر شيء، لا يذكر سوى ومضات سوداء من ذلك اليوم!.
لو فعلها لكان علم، لكان تذكر أي شيء، ولكنه لا يذكر شيء مما يتهمونه به، ولكنه متأكد أنه لم يفعل، لم يفعلها قط، او ربما فعل!
ابتلع يونس ريقه وكأنه يحاول المرور فوق تلك الصخرة التي وضعتها تلك السيدة فوق قلبه لتُعيقه من جديد، ثم خرج صوته مبهوتًا وهو يسألها:
-فين فيروز؟

فأجابته بحدة غليظة قاصدة بها هدم كل آمال قد بناها تحت مناداة فيروز له ورغبتها في لقاؤوه:
-فيروز في الجنينه مستنياك، بس اوعى تفكر إنها عايزه تشوفك علشان ترجعلك، فيروز مش كده وانا ماربتهاش على كده!
-عن اذنك
غمغم بها يونس وهو يتخطاها متحركا نحو حديقة المنزل، يزفر أنفاسه ليستعد لجولة جديدة في حربه الخاسرة، مرتعبا من اللحظة التي ستُدق بها الطبول لتعلن هزيمته المُعلنة سابقا بين كل خبايا تلك الحرب…!

وصل للحديقة ليجد فيروز تجلس أمام حمام السباحة، تحدق به وهي عاقدة ذراعيها معًا، تقدم منها يونس ليتنحنح معلنًا وجوده:
-فيروز
استدارت ناهضة تنظر له، تحدق به وكأنها تراه للمرة الأولى، لا تنظر له بأعين الشوق او الحسرة، بل تحدق به بعينان كانتا ساحتان تراكمت بهما وحوش الغضب التي كلما مرت عليها الأيام زادتها تأصلاً للعنة ذلك الغضب…!
فأول ما نطقت به وقبل أن ينطق هو بأي شيء:
-ليه عملت كده؟ ليه خونتني؟

اقترب منها يونس مسرعًا، ممسكًا بيداها بين كفا يداه وبنبرة تتوسلها التصديق:
-أنا معملتش كده يا فيروز، انا يونس، هخونك؟
فانتفضت هي تنتشل يداها من بين يداه وتصيح فيه بحدة:
-كداب، وخاين وحقير وميملاش عينك الا التراب
ضم يونس قبضة يده بقوة، يحاول تجاهل ألم اللطمة التي وُجهت لكرامته الرجولية للتو، يناجي كل ذرة صبر أن تسيطر على زمام أعصابه…!
بينما هي أكملت بنبرة تشبعها الحقد والنفور:.

-ويوم ما تخوني، تخوني مع واحدة زي دي؟ تخون فيروز الشناوي مع خدامة لا راحت ولا جات؟
ثم اقتربت منه لتصرخ فيه بجنون:
-تخوني انا بعد ما كنت بتتمنى نظرة مني وانا عارضت أمي علشانك
نظرت لعيناه السوداء التي كانت منذ لحظات تشع بمشاعر أضاءت تلك الظلمة بعيناه، ولكن كلماتها القاتلة التي لم يتوقع أن يسمعها منها قط، دكت تلك المشاعر لأسفل نقطة في باطن عيناه…!

لتتابع هي بذهول كان منبعه الغرور والكبر، وكأنها لا تصدق:
-انت ازاي عملتها! انت اتجرأت وخونتني؟ خونتني انا؟ أنت نسيت انا مين؟
حينها قاطعها يونس صارخًا بغضب لم يعد يحتمل كتمانه، غضب أحرق جلده من شدته:
-بسسس، أسكتي، أنا مانسيتش إنتي مين، أنا الظاهر معرفش انتي مين، انتي مش فيروز اللي حبيتها
رمقها بنظرة آسفة مزدردة من أعلاها لأسفلها وهو يردد بجمود:.

-أنا كنت ببرر وبتأسف على حاجة انا معملتهاش لفيروز اللي حبيتها وكنت مفكر إنها بتحبني
ثم اقترب منها خطوتان ممسكًا يدها بقسوة ضاغطًا عليها وهو يستطرد بخفوت حاد:
-وكنت بحاول أقدر شعورك، لكن توصل للإهانة، لأ، إياكي تنسي مين يونس، مش يونس اللي تهينه واحدة ست!

ثم استدار دون مقدمات ليغادر، نافضًا عنه غبار تلك المشاعر التي لم تعد لها قيمة بعد اليوم، مصدوما منها، داخله سؤال يصدح بذهول، مَن هي؟، تلك ليست المرأة التي أحب، تلك لم تكن عاشقة مجروحة خسرت معشوقها، بل كانت أنثى جُنت بجرح كرامتها وغرورها الغريب..!

في القصر…
دخل بدر ساحبًا خلفه مريم التي أتفق معها هو وأيسل ألا يخبروا السيدة فاطمة بما حدث لأيسل في ذلك المول…
أغلق بدر الباب خلفهم، لتنظر له مريم بتساؤل قلق:
-في إيه يا بدر؟
ليسألها دون مقدمات بما كان يشغل عقله طيلة طريقهم للعودة:
-انتي اللي عملتي كده؟
زاغت عيناها حوله وهي تسأله بعدم فهم مصطنع:
-عملت إيه؟

فاقترب منها خطوتان مُركزًا سوداوتاه على بُنيتاها مترقبًا لرصد الكذبة التي ستنطلق من بين شفتاها بعد قليل، ثم أعاد سؤاله:
-انتي اللي عملتي كده وبعتي ناس عشان يشوهوا أيسل في الحمام في المول؟
للحظات تحركت عيناها باضطراب لحظي يصحب خلفه كذبة جديدة ومكر جديد يشق طريقه لحروفها وهي تقول مستنكرة:
-أنا؟ وانا هعمل كده ليه يا بدر؟ أكيد لأ، لو كنت عاوزه اعمل كده كنت عرفتك.

اومأ بدر موافقًا برأسه دون أن ينطق، بينما هي اقتربت منه وقد تزاحمت العبرات الكاذبة كالسحاب بسماء عيناها وهي تردف بوهن:
-معملتش كده بس انا عايزه اعمل كده يا بدر, انا تعبت من التمثيل، مش قادرة أشوفها قدامي ومافتكرش إنها السبب إني اتسجن ٣ سنين ظلم وأتشوه بالطريقة دي
أحاط بدر بوجنتاها بين يداه في حنو، يتحسسها ببطء متمتمًا:
-عارف، عارف إنك مخنوقة وتعبانة، صدقيني حاسس بيكي
فهزت هي رأسها بسرعة مؤكدة:.

-تعبانة ومافيش حاجة هتريحني إلا حاجة واحدة يا بدر
سألها بدر متجاهلًا معرفته السابقة بإجابتها الشيطانية التي لطالما حفت نحوها:
-إيه هي؟
فأجابت وعيناها تلمع بذلك الحقد:
-إني اخد حقي، ننفذ اللي احنا جايين له، خلال الاسبوعين الجايين ننفذ، تطلقها وتاخدها معاك على الشقة وتسيبها وتنزل وهنطلع واحد تاني ونطلبلهم البوليس وتتاخد في قضية اداب، وكده ابقى خدت حقي!

لا يدري لمَ شعر بقبضة دامية تعتصر قلبه ليتلوى بين ضلوعه بجنون معترضًا، ثائرًا بدقاته الرافضة ما يسمع!..
رفعت مريم عيناها الخبيثتان له لتسأله بتكهن:
-هتنفذ يا بدر؟
اشتد كل عرق نابض داخله بقسوة وهو يرد عليها بنبرة خافتة تعكس تلك العاطفة المتجمهرة داخله والتي تحرق شرايينه حرقًا:
-هنفذ يا مريم متقلقيش، خلال وقت قليل وهننفذ وهتاخدي حقك!

ليلاً…
كانت ليال تبدل ملابسها حينما دخل يونس فجأةً دون أن يطرق الباب
فلم تكن ترتدي لحظتها سوى قميص للنوم قصير يصل حتى ما قبل ركبتاها بقليل، يكشف عن جسدها الأبيض بسخاء…
وقف يونس مكانه وعيناه تمشطها من أعلاها لأسفلها، فتعالت أنفاس ليال وهي تشعر بنظراته الرجولية تسقط على جسدها فتلسعه بذلك الشعور الجديد عليها…!

اقترب منها ببطء ليتسنى لها رؤية ملامحه وعيناه بوضوح، كان به شيئًا غريبًا، لم يكن هو، كان غريب…
وقف أمامها مباشرةً ليرفع إصبعه ويسير ببطء شديد على رقبتها ثم كتفها ثم ذراعها كله، ليلاحظ صدرها الذي يعلو ويهبط بتوتر جلي، فاقترب منها اكثر حتى إلتصقت بطرف الفراش من خلفها لتهمس له بصوت مكتوم:
-يونس أنت شارب إيه؟ أنت شارب مخدرات يا يونس؟

لم يجيب بل سألها بصوت خشن وأنفاس ثقيلة وأصابعه تواصل حركتها التي أفقدتها تركيزها:
-عملتي كده ليه؟
نظرت لعيناه الخاوية، دون كره، دون نفور، حتى دون ألم، وكأن كل شيء قد خمد بين ظلمة عيناه…!
وهذه المرة لم تستطع كبح زمام لسانها الذي إنتشل الأجابة المحفورة بين ثنايا قلبها الذي اكتوى بجحيم عشقه، لتنطق ببحة خاصة:
-عشان بحبك، بحبك اوي يا يونس.

هز رأسه نافيًا، ثم استدار يترنح في مشيته، وخرج صوته من بين أعماقه واهنًا كما لم تسمعه يومًا ومقتولًا بذلك الألم:
-انتي السبب، أنتي وجعتيني، وجعتيني اوي
استدار لها وكاد يقع وهو يسير لكنها أسرعت تمسك به لتحيط خصره، فدفعها بعنف بعيدًا عنه صارخًا بجنون وكأن شيطان الغضب عاد ليستوطن كل خلية به:
-ابعدي عني، قولتلك متقربيش مني ابدا متنسيش نفسك.

لم تنطق ولم تتحرك من مكانها، فعاد يونس يرمقها بنظرات قاسية قبل أن يخبرها قاصدًا جلدها بسوط كلماته:
-أنا خونتك، وهفضل اخونك، اخرجي من حياتي بقا انتي إيه!
فصرخت فيه بنبرة مُرهقة، متهدجة ع سطو تلك المشاعر التي أهلكتها:
-انا واحدة بتحبك اوي ومش قادره أبطل احبك، حاولت بس برضو مقدرتش
نظر لعيناها مباشرةً، متفحصًا لها وهو يسألها بعمق:
-بخونك وهخونك، لسه مش عايزه تخرجي من حياتي زيها؟

فهزت رأسها نافية بعينان تنبض عشقا، ودون مقدمات وجدته يمسك رأسها بيداه مثبتا وجهها امامه ثم غطى ثغرها بشفتاه في قبلة مجنونة، جامحة، سامحًا لتلك المشاعر الذكورية المتأثرة بالظهور ليشعر بتلك العاطفة تغلي أسفل جلده، بينما هي مسلوبة الأنفاس تحاول الاستيعاب…!

ابتعد اخيرا بعد لحظات يلتقط أنفاسه اللاهثة، ليدفعها ببطء للخلف حتى سقطت على الفراش ثم اقترب منها ببطء…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى